إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأحد، 25 مارس 2012

ثلاثية ...الصحة .. الثروة... و الأبناء

يرى البعض أن الحياة لا تكتمل إلابتوفر ثلاثة مقومات .. هي الصحة و الثروة و الأبناء..و في ذات الوقت تتباين الآراء حول ترتيبها .. من يأتي أولاً .. هل هي الصحة .. أم الثروة .. أم الأبناء .. كما أن البعض يرى ان الثلاثة لا تجتمع أبداً  فإذا كان لديك المال الوفير فقد تكون مريضاً عليلا .. و أن رزقت بالأبناء قد لا يكون لديك مالاً ..و قد تكون صحيحاً معاف دون مال أو أبناء ..أي ان إجتماع الثلاثة يعد معادلة صعبة.. فدائماً هناك عنصر ناقص تبحث عنه ..
هذه الثلاثية كانت محور نقاشنا .. مجموعة زملاء عمل ..و يؤكد هذه المقولة زميل جاء مرافقاً لزوجته المعارة من جامعتها للعمل في جامعة قطر ..و يضيف أن الإنسان يلجأ الى الله سبحانه و تعالى للحصول على العنصر الذي يفقده . و هذه من قدرة الخالق  ..فالإيمان بقدرة الله هو مصدر السعادة و إن لم تكتمل العناصر الثلاثة لدى الفرد .
و بعد سنوات انتهت فترة الإعارة و عليه ان يعود الى وطنه  مع زوجته و يفقد وظيفته . و قبل مغادرتهما علما بأنهما سيرزقان بطفل .. و قد مضى على زواجهما مايزيد عن عشر سنوات دون إنجاب .. وجاء سعيداً ينقل لنا الخبر قائلاً ألم اقل لكم أن الثلاثة لاتجتمع .. خسرت وظيفتي و لكني كسبت طفلاً انتظرته سنوات طوال ..
و كما يبدو أن هذه الثلاثية لا تلتقي .. فالإنسان يعمل في بدء حياته ليجمع الثروة .. ثم يرزق بالذرية .. و يحافظ على صحته قدر الإمكان .. ولكن ..في أغلب الأحيان .. عندما يشيخ تجده وحيداً .. الأبناء مشغلون بأسرهم وأمور حياتهم .. و الصحة تضعف .. ما بين سكر و ضغط و الآم مفاصل و ربما الزهايمر الخ.. من أمراض الشيخوخة ...
و تتعاقب السنين  ... و ربما لا يلتقي الثلاثة معاً ..
و لربما هناك ثلاثية أورباعية أخرى .

الجمعة، 16 مارس 2012

سؤال

أريد جدي و جدتي ..
و عمي و عمتي ..
و خالي .. و خالتي ..
أين هم ؟؟
نحن هنا بمفردنا ..
لا أهل ..
لا وطن ..
تساءلت حلوتي ..
صغيرتي ..
أماه ..
أجيبي..
لماذا السكوت ؟؟
و حار الجواب ..
 بحرارة السؤال ..
و لمَعت دمعة ..
 و لمَحت الدمعة ..
أتبكين يا أماه  ؟؟
هل أنت مريضة ؟؟
هل أنت حزينة ؟؟
لا أدري ..
سوى أنني ..
لا أملك .. الإجابة ..
و أشتاق ..
أشتاق ..
و يقتلني الشوق ..
الى أمي ..
الى أبي..
و أختي .. و أخي ..
و نظل غرباء ..
 بعيداً  .. عن الوطن ..
و دون .. جواب .....
_____________________________
كتبت في واشنطن 1993م

الأربعاء، 7 مارس 2012

دور منظمات المجتمع المدني في التنمية



نتساءل لماذا لا توجد منظمات مجتمع مدني في مجتمعنا ؟؟ مع و جود قانون رقم  (12 )  لسنة 2004  بشأن الجمعيات و المؤسسات الخاصة الذي  تم تعديله بقانون رقم (8 ) لسنة 2008  ، ثم  تعديله مرة أخرى بقانون رقم (10 ) لسنة 2010 .فالمحقق أن منظمات المجتمع المدني بأنواعها و خاصة الجمعيات المهنية و الاجتماعية و الثقافية تعدعامة أساسية في تحقيق التنمية المستدامة .
فالمجتمعات المعاصرة تواجه تحديات كثيرة و متنوعة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة .و أصبحت مساهمة المجتمع المدني بمنظماته المتعددة على قدر كبير من الأهمية . فمنظمات المجتمع المدني بما لها من إمكانيات تستطيع حشد و تعبئة الموارد البشرية و المادية إيجابياً في سبيل تقبل المبادرات التنموية و تفعيلها .
فما هو المجتمع المدني ؟ هو مفهوم له جذور تاريخية فأرسطو في كتاباته كان يشير الى الجماعة السياسية ، في حين أن المجتمع المدني في التراث الفكري للقرون الوسطى ينظر اليه بأنه يضم أفراداً يخضعون لنفس القوانين و لنفس الحكومة . و تطور المفهوم في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر و ارتبط بالديمقراطية و بالاجتماع السياسي. و أصبح يشير الى مجموعة من المؤسسات السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية (1) التي تعمل في ميادينها المختلفة بدرجة من الاستقلال النسبي عن المجتمع السياسي، و ذلك لتحقيق أغراض نقابية كالدفاع عن مصالح اقتصادية لأعضاء النقابة ، أو أغراض ثقافية تقوم بها الجمعيات الثقافية بهدف نشر الوعي الثقافي و تحريك المياه الراكدة . وأخرى ذات أغراض اجتماعية كالمساهمة في العمل الاجتماعي .
و ينطلق مفهوم المجتمع المدني على مبدأ التعاقد كما أكده " جون لوك " في كتابه " العقد الاجتماعي " حيث أكد على أنه " حينما يُؤلف عدد من الناس جماعة واحدة و يتخلى كل منهم عن سلطة التنفيذ و يتنازل عنها للمجتمع ، ينشأ حينئذٍ مجتمع سياسي أو مدني "   (2) . أما جان جاك روسو فيرى أن المجتمع المدني يقع في مرحلة وسط بين الحالة الطبيعية و الحالة المدنية المرتبطة بقيام الدولة المبنية على أساس العقد الاجتماعي (3) . و في العصر الحديث يعرف سعد الدين إبراهيم المجتمع المدني،بأنه          " مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة و الدولة لتحقيق مصالح أفرادها ، ملتزمة في ذلك بقيم    و معايير الاحترام ، و التآخي ، و التسامح ، و الإدارة السليمة للتنوع و الاختلاف " (4) .
و مع تعدد و تباين تعريفات المجتمع المدني ، إلا أنها تتفق على مجموعة من المقومات التي تكونه . منها ضرورة توفير حد أدنى من الاستقلالية تجاه الدولة، مع تمكين المجتمع المدني من خلق منظمات غير حكومية قادرة على تعبئة المواطنين و بناء قوة جماهيرية. تتنوع اشكلها ما بين نقابات و أحزاب و جمعيات . و تعد الجمعيات من ابرز المكونات الفاعلة في المجتمع المدني ، حيث أنها تعد الإطار التنظيمي لتأطير أفراد المجتمع و توعيتهم ، بهدف الاندماج و المشاركة في تفعيل العمل التطوعي في المجتمع .و يعرف علماء الاجتماع الجمعية بأنها : مجموعة من الأفراد المنظمين إراديا الذين يسعون الى القيام بعمل جماعي و مستمر ، يهدف التعبير عن أفكارهم و مبادئهم و أطروحاتهم و ذلك للمساهمة في تنمية المجتمع . و على هذا النحو فإن مؤسسات المجتمع عبارة عن مجموعة من التنظيمات الطوعية الحرة التي تشغل المجال العام ما بين الإنسان. الدولة ، و تتشكل وفق إرادة حرة نابعة عن مؤسسيها ، و تكون العضوية فيها اختيارية ، و تستند في عملها على أطر قانونية ، تدافع عن مصالح أعضائها ، إضافة الى كونها غير ربحية .
فالمجتمع المدني بمنظماته ركيزة أساسية لتحقيق التقدم و تفعيل التنمية البشرية . وبذلك فقد سمي مدنيً لأنها يتخذ طابع مدنيا و سلميا مستقلاً عن الدولة و مؤسساتها الرسمية . و بالتالي فأنه يجسد مظهراً من مظاهر الديمقراطية التي ترتكز على الحرية و العدالة و المساواة و الكرامة و حقوق الإنسان . فالمجتمع المدني نسيج من اتكاملها،لمتشابكة بين الأفراد من جانب و الدولة بمؤسساتها من جانب آخر. تقوم على تبادل المصالح و تكاملها ، و على التعاقد و التفاهم و الاختلاف و الحقوق و الواجبات . و حتى يكون هذا النسيج فاعلاً لابد من ان يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية و ثقافية و اقتصادية و حقوقية متعددة (5).
و نؤكد على ان أعمال منظمات المجتمع المدني تتسم بالطابع السلمي في علاقاتها ، و تعمل على تعزيز قيم التسامح و احترام مهنية. الرأي الآخر و التعاون و العدالة و الكرامة و المساواة . و عليه فإن منظمات المجتمع المدني يمكنها ان تسهم في التنمية المستدامة إسهاما حقيقياً ، إذا ما تمكنت من بناء الوعي التنموي و توظيفه من خلال مشاركة إيجابية في العملية التنموية. فمنظمات المجتمع المدني يمكنها مناقشة و تبني قضايا المجتمع الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و الثقافية بشفافية و مهنية . كالعمل في مجالات التدريب والتأهيل و محو الأمية و دعم الأسر المنتجة و الصناعات الصغيرة في المجتمعات المحلية. إضافة الى الاهتمام بحقوق و احتياجات الأطفال و الشباب و المرأة و المسنين و ذوي الإعاقة و توفير بعض الخدمات الأساسية لهم. وهنا يمكن القول بأن منظمات المجتمع المدني تسهم في التنمية بمفهومها الواسع المتمثل في تنمية الناس من أجل الناس .و تعني تنمية الناس الاستثمار في قدرات الأفراد في الصحة أو التعليم أو بناء القدرات.
أضف أن كثير من المؤتمرات و الدراسات أكدت على دور منظمات المجتمع المدني في التنمية المستدامة من خلال تبني الدول استراتيجيات وطنية لتأهيل و تدريب المنظمات فنياً و مالياً و إدارياً ، و السعي نحو دمج المرأة في عملية التنمية الشاملة ،و إشراكها في وضع الخطط و الاستراتيجيات و تنظيم و عقد ورش العمل و الندوات المتعلقة بالتنمية المستدامة . و تجسير الفجوة بين منظمات المجتمع المدني و المؤسسات الرسمية .بحيث يعمل المجتمع المدني و منظماته جنبا الى جنب مع المؤسسات الرسمية في تنفيذ  بعض السياسات و الخطط التنموية . فمبدأ الشراكة يحقق تعبئة الموارد المجتمعية لتحقيق أهداف التنمية . و الذي بدوره يتطلب تعزيز البناء المؤسسي لمنظمات المجتمع المدني و بناء قدراتها . و يأتي في مقدمتها قيام التحالفات و التشبيك بين منظمات المجتمع المدني ، و تبادل الخبرات و تدعم العمل التشاركي المؤسسي هذا يدعو الى توفير المجال لمنظمات المجتمع للعمل على جميع المستويات الإنسانية و الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية و الحقوقية والمهنية الفنية .
و حتى تتمكن منظمات المجتمع المدني من أداء دورها بفاعلية و مهنية لابد من توفر مناخ ديمقراطي يؤمن بالتعددية  و بالاختلاف و الحوار . و يرتكز على خطاب التواصل و التسامح و عدم الإقصاء و الاحترام ذلك تأكيدا ما يراه المثقفون و المفكرون العرب بأن الديمقراطية  هي المخرج  للشعوب العربية من مأزقها الحالي و ما تعانيه من مشكلات و ازمات .فهي في جوهرها طريقه حياة و اسلوب لتسيير المجتمع و تدبير شؤونه بوسائل سلمية . و عليه فالمجتمع المدني و منظماته ضرورة أساسية في التنمية ،     و تبقى التنمية المستدامة قاصرة بإقصائه أو تهميشه .
و يبقى السؤال الحائرعن سبب أو أسباب غياب بعض منظمات المجتمع المدني و خاصة الجمعيات الاجتماعية و الثقافية         و المهنية في قطر.
هل من إجابة ؟؟؟؟

1-       عبد الطيف أكنوش ، الديمقراطية و الدمقرطة و الانتقال الديمقراطي ، جريدة المستقل ، الععد 347 ، 5 يناير 2001 .
2-       جون لوك ، في الخبر المدني ، ترجمة ماجد فخر ، اللجنة الدولية لترجمة الروائع ، بيروت 1959 ، ص 189 .
3-       توفيق الدويتي ، المجتمع المدني للدولة و السياسة ، إتحاد كتاب العرب ، دمشق ، 1997 ، ص 58
4-       سعد الدين إبراهيم ، المجتمع المدني و التحول الديمقراطي في مصر ، دار قباء ، القاهرة ، 2006 ، ص 6.
5-       علي عبد الصادق ، مفهوم المجتمع المدني ، قراءة أولية ، مركز المحروسة ، القاهرة ، ص ص 114-115

السبت، 3 مارس 2012

يحكى أن ...


 قصة من الخيال  ..
يحكى أنه في قديم الزمان كان هناك أسد هصورتخشاه كل حيوانات الغابة والغابات المجاورة . تلك الغابة الكبيرة المترامية الأطراف .. التي ترتع فيها جميع أنواع الحيوان. ولم يكن مسموحا للإقامة في تلك الغابة الخضراء الشاسعة إلا لمجموعة حيوانية ولدت في الغابة لحيوانين منها.وبالتالي كان لها حدود يحرسها حرس خاص مدرب يمنع دخول الحيوانات الغريبة إلا بإذن خاص.. أو أولئك الذين يأتون بصفة رسمية كمبعوثين من غابات أخرى تربطها بغابة " الهصور " وشائج و روابط دبلوماسية حيوانية ، أو الذين يحملون تأشيرات رسمية معتمدة . وحتى أولئك المبعوثون كان الحراس يتأكدون من مصادرهم الخاصة أنهم قد غادروا غابة " الهصور " بعد إنتهاء مهامهم .. ومن ثم ما كان يميز غابة " الهصور" هو استتباب الأمن الناتج عن الخوف والريبة من "الهصور" وليس ناتجاعن تطبيق القوانين و مراعاتها، واقتصارها على حيواناتها.
ذلك الأسد" الهصور" الذي لا يتوانى عن إيقاع أشد أنواع العقاب لمخالفي ومتجاوزي قوانين وأعراف الغابة الخضراء ... شكل له أنماطا من التحالفات الحيوانية مع الحيوانات التي تدين له بالولاء والطاعة .. منها حلف " النمور "وهو أقوى الأحلاف نتيجة لكبر حجمه وشجاعة و بسالة نموره .. وحلف "الذئاب" الذي لا يقل شجاعة عن حلف " النمور " وإن كان يتفوق عليه بالنفاق . و حلف " الفهود " و هم أكثر ولاءاً لحلف " النمور " من ولائه للملك نتيجة للروابط القرابية وعلاقات المصاهرة بينهما. ولعل أكثر الأحلاف دهاءاً و مكراً و مرواغة هو حلف " الثعالب "، الذي يتعامل مع كل حلف بشكل خاص وكأنه لا علاقة له إلا بذلك الحلف دون غيره من الأحلاف .. فقد كان ثعالب ذلك الحلف يقدمون فروض الولاء والطاعة والخدمات صباح مساء "للهصور " ..   و ينقلون إليه الأخبار والروايات والدسائس التي تدور في الأحلاف الأخرى في محاولات مستميتة للتقرب من      " الهصور" وإثبات حبهم وولائهم له من أجل تحقيق مكاسب ثعلبية . كما كان هناك أيضا أحلاف أخرى لمجموعات من الحيوانات والقوارض والطيورالتي كانت أقل أهمية ومكانة نتيجة لضعف أصولها الحيوانية من جهة ، وقلة إمكاناتها المادية من جهة أخرى ، إضافة الى إفتقارها الى القوة العضلية من جانب ثالث . كل هذه الأحلاف إرتبطت بالملك بحكم وشائج المصالح المتبادلة من جانب.. والخوف من نفوذه وبطشه وطغيانه من جانب آخر .
ولم يقتصر الأمرعلى الخوف من الملك " الهصور" فحسب .. وإنما امتد الى الملكة " اللبوة " زوجة ملك الغابة  وأم الأشبال .. فكانت لها مكانة مميزة في مملكة " الهصور" . وبطبيعة الحال فإن" اللبوة " عززت من مركزها ووطدت علاقاتها مع زوجات رؤساء الأحلاف الموالية للملك . أما الوزير الأول "السيد نمر"  الساعد الأيمن     " للهصور " فلم يتوانى عن تقديم الاستشارات والنصائح . وأصبح يوكل إليه القيام ببعض المهام غير الهامة .. أو ينوب عنه في بعض اجتماعات الأحلاف الحيوانية .. ومع اتساع مملكة الهصور وزيادة الأعباء عليه ، بدأ بتفويض" النمر " في إدارة المناطق النائية من الغابة الخضراء. ومع تزايد أعباء الوزير الأول أوجد له جهازاً استشاريا خاصاً بعيداً عن الجهاز الإستشاري " للهصور " يعاونه في الإدارة ويوجهه وينصحه .
وتعاقبت السنوات وكأنما اصبح في الغابة الخضراء مملكتان واحدة " للهصور" و أخرى" للنمر" ... وتدريجياً بدأ  " الهصور" يفقد نفوذه و سلطته على الأمور التي يتولاها " النمر " .. و مع ذلك بدا سعيداً ويتباهي بدور وزيره   " النمر" ، وإنجازاته في كل المناسبات ، و خاصه أمام مجلسه الوزاري ، الذي لم يعجبه الوضع الجديد .. أي بداية و إستقواء الوزير الأول و أعوانه .. و خاصه " الفهد مستشار الهصور" الخاص .. كان غير راض عن دور الوزير الأول وسلطته ، التي فاقت أحياناً سلطة الملك ، والمخالفة لدستور الغابة الخضراء .. مما ترتب عليه إضعاف هيبته ومكانته أمام جموع الحيوانات ، و بخاصة أمام قبيلة " الفهود " ... و لم يعد يذكر في اللقاءات والتجمعات الحيوانية قدر ذكر مناقب و قوة "النمر" .
و تتابعت الأعوام تلو الأعوام .. والملك يزداد نفوذا ً وقوة .. والغابة تزداد إتساعاً .. والخوف يزداد في الغابة يوماً  بعد يوم .. حتى أصبح الحديث في غير أمور الحياة اليومية من مأكل و مشرب .. أو الأمور التي يصرح بها الملك وأعوانه ... مخالفه يعاقب عليها الحيوان معاقبة شديدة .. بالسجن .. والتعذيب  والنفي خارج الغابة الخضراء .. والتصفية الجسدية في بعض الأحيان.. وإزداد القهر والظلم في الغابة الخضراء .. و كثر المظلومون  .. والظالمون .. وأصبح المظلومون يتهامسون ..وتعالى الهمس حتى أمسى لغطاً... ثم ضجيجاً ..فصراخاً .. ومستشارو الملك ووزيره الأول وبطانته يطمئنونه على أن الأحوال على خير ما يرام ..    و ليس في الإمكان أحسن مما كان ... إنه الملك العادل ... المحبوب .
و في الوقت ذاته بدأ الوزير الأول يعزز من علاقاته داخل المملكة ومع الأحلاف الأخرى .. ويتقرب الى جميع حيوانات الغابة بالعطايا والمزايا ..سواء في الغابة الخضراء أو الغابات المجاورة .وكون له مجلساً استشارياً خاصاً  ذا أطماع توسعية .. ساعده على تمكين ذاته و تقوية مركزه  و تقريبه من الجماهير الحيوانية .. وكلما زادت الهوة اتساعاً بين الملك ورعاياه الحيوانية .. كلما قربت المسافة بين " النمر " والحيوانات الأخرى .
و استمر الوضع على هذا الشكل لأعوام طويلة .. طويلة .. بصورة أدت الى عزل الملك في حلقة ضيقة من الأعوان المنافقين .. الذين أوعزوا إليه أن هناك مؤامرات تحاك ضده من قبل الأحلاف الحيوانية .. وعليه توخي الحيطة والحذر .. والإبتعاد عن المحافل العامة .. أو زيارة الغابات المجاورة .. حتى في المناسبات الحيوانية التي كان يحرص على حضورها ، كإفتتاح المنتدى  الحيواني .. أو المراكز الحيوانية  و غيرها .. وساعد على ذلك كبر سن الملك ،  وكما تعلمون فإن للسن أحكام .. وبدأ الملك يدخل في مرحلة الهرم تدريجياً .. فضعف بصره .. و أصبح لا يرى ما أمامه حتى لو كان قريباً منه، حتى إن كانت الإضاءة جيدة ، سواء في النهار أو الليل .. كذلك قلت حدة سمعه .. فبعد أن كان معروفاً عنه قوة السمع ،  و قدرته على سماع الهمس  ، لدرجة  يقال  أنه يسمع دبيب النمل ..أصبح في مرحلة لا يسمع فيها حتى صراخ القريبين منه .. وتوالى ضعف باقي حواسه تدريجياً ..من شم .. و ذوق..  وبدأت أسنانه تقع واحدة تلو الأخرى .. فأين ذلك الملك الهصور الذي كان ينهش الفريسة نهشاً  ويقضي عليها في دقائق .. أمسى في حالة لا يستطيع معها حتى ابتلاع قطعة لحم صغيرة من إحدى الفرائس التي تقدم إليه .. وبدأ يهزل شيئاً فشيئا .. و أصبح أكثر عزلة وإنطواءاً .
الى ان جاء ذلك اليوم الذي لم يتوقع أن يأتي قط  .. يوم تم عزله من قبل السلطة الجديدة المتمثلة في الوزير الأول " النمر " و مجلسه الاستشاري .. بمساعدة حلف " الفهود " ..
و هكذا بين يومٍ و ليلة تحولت مملكة " الأسد " الى مملكة " النمر " الذي حاول في البداية أن يتلافى الأخطاء التي وقع فيها " الهصور " وأدت الى ضعفه وعزله وابتعاده عن السياسة التي عاهد حيوانات الغابة و حلفائه على نهجها .. ولكن بطانة الملك هي .. هي في كل زمان ومكان .... ابتدأت البطانة  "النمرية " الجديدة تمارس الدور الذي مارسته سابقتها مع " الأسد " .. و بدأ يظهر " الفهد " و أعوانه ... كبطانه موالية " للنمر "  .. ذات تطلعات سيادية ..
و يدور الزمان .. و تتعاقب السنين .. و يأتي شتاء بعد خريف.. و تتوالى الفصول .. و كلها شديدة البرودة .. و الجفاف .. تنزوي الحيوانات في كهوفها و جحورها .. و تحت ما تبقى من شجر.. ترتعش من شدة الجوع     و الظمأ..و الفهد و اعوانه ينعمون بدفء كهوفهم .. و يتلذذون بلحوم طرائدهم ..و يأتي صيف طويل.. حار ..رطب .. و يزداد الجفاف و القحط .. و تخرج الحيوانات الهزيلة تبحث عن كسرة تقتات عليها.. و تتوغل في الغابة بحثاً عن نبع ماء.. لم يجف بعد.. دون جدوى.. حتى الآبار النائية جفت و امتلأت بالفضلات .. و طمست معالمها  بالغبار و رياح السموم الدائمة ..و ازدادت الغابات الخاصة نماء و اخضرارا .. و  بالمقابل ازدادت الحيوانات ضعفا و هزالا ..و أوشكت على الفناء ... و كما تعلمون فإن غريزة حب الحياة تعمل المستحيل.. فالجوع مقيت .. و الظمأ مرير .. و بكاء الصغار مؤلم ..
تساءلت و فكرت معا في الخلاص.. وبدأت بإرسال ممثليها  لمقابلة " الفهد " و شرح أوضاعهم السيئة . و طلب المساعدة و الرحمة .. لكن دون جدوى. .. فالفهد أصم ...  أعمى ...لا يسمع إلا الإطراء... و قصائد المديح...و لا يرى إلا اخضرار غابته الخاصة الصغيرة و حدودها الضيقة..
و تولت مجموعة أخرى من الحيوانات كتابة الشعارات المناهضة لها و لمجلسه الوزاري على جذوع الأشجار اليابسة.. و شرعت مجموعة ثالثة بتنظيم لقاءات سرية تناقش تردي أوضاعها .. و ما يجب عليها القيام به تجاهها.. و تعالى الهمس ليصبح ضجيجاً ..و ارتفع الى صراخ مدو .. و ازداد " الفهد" صمما.. و جاء خريف .. تلاه شتاء غزير المطر.. و بدأت المواجهة بين الفهد و حيوانات الغابة ..و وصلت الأخبار الى جميع أطراف الغابة .. و ثارت كل الحيوانات .. و بطانة الفهد  تؤكد له إنها مجرد صراخ في الفضاء ...   و جعجعة بلا  طحن .. تتطلب إعدام أحد وجهاء الغابة.. و سجن آخرين.. و يعود الهدوء الى الغابة.
وتتعاقب الفصول و يأتيك الربيع الطلق ضاحكاً.. و تقوى الحيوانات.. و تتمكن من إشعال ثورة عارمة .. امتدت في جميع أرجاء الغابة .. و هجمت هجمة حيوان واحد على غابة " الفهد". الذي لم يجد بدا من الفرار بجلده المرقط الى غابة مجاورة .
و مع هذا الربيع المنمق و الذي يفوح بعطر زهور الحرية.. عادت الحياة الى الغابة ...أكثر إشراقا و بهاء
ويدور الزمان .. وتنتهي الممالك .. وتبقى الغابة..
وعاشت  الحيوانات .