إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 6 يونيو 2012

عدلت فنمت


عبارة شهيرة قالها رسول كسرى  عندما وجد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب " رضي الله عنه " متوسداً بردته خارج المدينة . العدل أهم المبادئ التي تحقق الإستقرار في المجتمع *.
 العدل  في اللغة ضد الجور، يقال عدل عليه فى القضية فهو عادل، وبسط الوالي عدله ومَعْدِلَتَه – بكسر الدال وفتحها - ، وفلان من أهل المَعْدَلَة – بفتح الدال - ، أي : من أهل العدل ، ورجل عدل (1) ، و هو أيضا مصدر يعني العدالة التي هي الإستقامة و الإعتدال . فالعدالة هي التوسط في الأمر، و تعديل الشيئ و تقويمه . كما  أن العدالة : وصف بالمصدر معناه ذو عدل، قال تعالى : وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (سورة الطلاق ،آية 2 ).
فتشكل العدالة معنى الحياد التام و عدم التحيز وتقوم على إعطاء كل ذي حق حقه .
فقد عرف أفلاطون (427 ق. م ) العدالة  بقوله " العدالة أن يملك الإنسان و يفعل ما هو ملكه " أي أن كل إنسان يجب أن يحصل على ما يساوي إنتاجه ، و أن يقوم بالعمل الذي يتناسب مع طبيعته و قدراته . فالإنسان العادل هو ذلك الشخص في المكان المناسب الذي يستحقه ، و من ثم يتولى أو يقوم  بالأعمال التي تتناسب مع مكانته . فالعدالة لا تعني القوة و إنما توافق و إنسجام القوة مع الرغبات .
وهي تعني أن يقوم  كل فرد بدوره وفقا لاستعداده الطبيعي .  وتتحقق فكرة العدالة عنده من خلال التزام كل فرد حدود الطبقة التي ينتمي إليها تبعا لطبيعته وتكوينه . أي إن قيمة العدالة هي التي توجه قوى النفس وتضمن تراتبيتها باعتبارها فضيلة الفضائل .
أما أرسطو (322 ق. م ) فيرى أن العدالة تتحقق من خلال مستويين العام و الخاص ،فيشير المستوى العام الى علاقة الفرد بالمؤسسات الإجتماعية من خلال الإمتثال الى القوانين و تطبيقها بشرط أن تكون تلك القوانين مبنية على مبدأ الفضيلة . في حين أن العدالة بمعناها الخاص هي ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الفرد في تعامله مع الآخرين . فترتبط العدالة في هذا المقام بالفضيلة و إلا أنه يختلف مع أفلاطون في تمثله للعدالة ، حيث يرى أرسطو أن العدالة تتمثل نظريا في الوسط (لا إفراط ولا تفريط) الذي يستطيع وحده أن يضمن الفضيلة . وعلى هذا تتأسس العدالة العملية ، التي تتجلى في توزيع الثروات بين الأفراد بطريقة رياضية (حسابية) تناسبية ، بمعنى أن العدالة تقتضي أن يتقاسمها الأفراد بينهم بطريقة عادلة ، كما تظهرفي سن قوانين  تضمن الأمن والإنصاف ، حيث تقوم العلاقات بين أفراد المجتمع على صداقة حقيقية ومثالية  تقترن بها باعتبارها جزءا منها .فهي سلوك و ممارسة تدل عل الإعتدال الذي ارتبط بمقولته الشهيرة " الفضيلة هي الوسط " .
وقد خرج مفهوم العدالة من الإطار الميتافيزيقي ، مع الفلسفة السياسية التي دشنتها فلسفة عصر التنوير حيث نجد الفيلسوف الإنكليزي (ديفيد هيوم) يحاول أن يتكلم انطلاقا من تبعات الثورة الصناعية وروح الثورة الفرنسية ، فربط العدالة بالرفاهية التي يجب تحقيقها للفرد بوصفه مستهلكا مما سيؤدي إلى احترام القوانين والالتزام بها . وهذا – في نظره – لن يتحقق إلا بضمان الحرية الفردية ، التي يمكنها أن تتبلور مع الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج علاوة على التصنيع ، والتقنية . مما  يجسد تلك الروح الليبرالية التي تعتقد أن الدولة توجد في خدمة الفرد وليس العكس . في حين يرى (مونتسكيو) أنه لا يمكن ضمان العدالة الفردية إلا بفصل السلطات الثلاث: التشريعية ، التنفيذية والقضائية  (3).
و قد ركز و شدد الإسلام على العدل و العدالة . فالعدل من صفات الله تعالى ، حيث  أنه سبحانه و تعالى " العدل " . و حث القرآن عليها و فرض الله العدل على المسلمين في الحكم و الشهادة و المعاملة في الأسرة وبين و مع  أفراد المجتمع بما فيهم  الأعداء . فقد قال تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " ( سورة النساء ، آية 58 ) . فالعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه دون تمييز. وعليه تصبح العدالة في ساحة القضاء الملاذ الآمن الذي يلجأ اليه المظلوم.
و تبدو العدالة في الإسلام   في التوازن والتعادل اللذان يتصف بهما العالم، والذي سيفقد بدونه استقراره ونظامه.وأيضا في  مراعاة المساواة وعدم التفرقة و ذلك  في مجال الحقوق، وهي من لوازم العدل.إضافة الى  إعطاء كل ذي حق حقه، أي رعاية حقوق الإفراد و صونها .
فعندما تسعى المجتمعات الى تحقيق العدالة باعتبار أن " العدل أساس الملك " فانها تسعى الى ترسيخ مبادئ الحرية و المساواة و الكرامة في جوانب الحياة السياسية والاقتصادية و الاجتماعية . بحيث يحصل الفرد على حقوقه بالتساوي مع الآخرين . وهذا لا يتم إلا بوجود عدالة اجتماعية و نظام سياسي عادل . فأهم أركان العدالة الاجتماعية هي: المساواة بين الناس، التوزيع العادل للثروات، احترام حقوق الإنسان.
و في الواقع تواجه بعض المجتمعات ضيق هامش العدالة .. و أحيانا تغييبها أو ضبابيتها في أحيان أخرى .. و هو كما يبدو مرتبط بالحالة السياسية من جانب و ضعف القضاء و هامشيته من جانب آخر. بسبب عدم حيادية الجهة المعنية عن العدالة أو تسيسها .. و من ثم لا تحتكم الى الشفافية  أو النزاهة ..و يصبح ميزان العدالة مائلا نحو كفه دون أخرى .. فيتم التقاضي عن فساد و مخالفات البعض .
و عليه فعندما تغيب العدالة يضعف المجتمع و يفقد أفراده الأمن و الإطمئنان . و هذا يستدعي بالدرجة الأولى تحديد معايير العدالة من جانب و ترسيخها في المجتمع من جانب آخر .فوجود العدالة كقيمة  قضية غير قابلة للمساومة و أن المجتمع الذي يتأسس على العدالة يضمن للإنسان إنسانيته ويحفظ له كرامته و يحقق وجوده .

فاصلة أخيرة : يا أعدل الناس إلا في معاملتي .. فيك الخصام و أنت الخصم و الحكم
"المتنبي"
_________________________________
* وقد صور الشاعر حافظ إبراهيم هذا الموقف بهذه الأبيات الشعرية الرائعة :
وَرَاعَ صَاحِبَ كِسْرَى أَنْ رَأَى عُمَراً     بَيْنَ الرَّعِيَّـةِ عُطْـلاً وَهْـوَ رَاعِيْهَا
وَعَـهْدُهُ بِمُلُـوكِ الفُرْسِ أَنَّ لَهَـا سُوْراً     مِنْ الجُنْدِ وَالحُرَّاسِ يَحْمِيْـهَا
رَآهُ مُسْتَغْـرِقـاً فِي نَوْمِهِ فَـرَأَى فِيْـهِ       الجَلاَلَةَ فِـي أَسْمَى مَعَانِيْـهَا
فَوْقَ الثَّرَى تَحْتَ ظِلِّ الدَّوْحِ مُشْتَمِلاً      بِبُرْدَةٍ كَـادَ طُـوْلِ العَهْدِ يُبْلِيْهَا
فَهَـانَ فِي عَيْنِهِ مَا كَانَ يُكْبِـرُهُ              مِـنَ الأَكَاسِرَ وَالدُّنْيَـا بِأيْدِيْـهَا
وَقَـالَ قَـوْلَةَ حَقٍّ أَصْبَحَتْ مَثَلاً             وَأَصْبَحَ الجِيْلُ بَعْدَ الجِيْلِ يَرْوِيْـهَا
أَمِنْتَ لَمَّا أَقَمْتَ العَـدْلَ بَيْنَهُمُو             
فَنِمْتَ نَوْمَ قَرِيْرِ العَيْـنِ هَانِيْـهَا
1- القاموس المحيط ، الفيروزآبادي ، مؤسسة الرسالة للطباعة و النشر ، 1998 م
2- معجم المعاني www.almaany.com 
3- عقيل يوسف عيدان ، ما هي العدالة ، شبكة النبأ للمعلومات ، www.annabaa.org