تشترك معظم الدراسات الغربية التي تناولت موضوع القدوة  و القيم Role   Model و معها الأدبيات العربية المترجمة
عنها أو المتأثرة بها في أهمية دور القدوة و مكانتها  و قيمها في الأسرة و المجتمع على حدٍ سواء و في تأثيرها
على الفرد و خاصة في مرحلتي الطفولة و المراهقة . 
و هذا يدعونا أن نتناول موضوع القيم الأسرية و دورها في بناء
الشخصية. فللقيم  أهميتها في حياة المجتمعات
و الأفراد ،  فهي التي تحدد الفلسفة العامة
للمجتمع و أيدولوجيته . و لها أهمية في تحقيق الصحة النفسية للأفراد ، فالقيم المرتبطة
بذات الفرد تشكل وجهة نظره للحياة و طريقته في التعامل      الاجتماعي ، و من ثم تحقيق التكيف النفسي .كما
يعتمد نمو الضمير عند الفرد على معايير و قيم 
 الوالدين . بحيث يؤدي تعارض القيم داخل
الأسرة إلى اضطراب عملية التنشئة الاجتماعية لدرجة اضطراب شخصياتهم بشكل يؤدي إلى إعاقة
توافقهم في المستقبل  .
و ا لقيم عبارة عن : المعتقدات التي يحملها الفرد نحو الأشياء
و المعاني و اوجه النشاط المختلفة ، و التي تعمل على توجيه رغباته و اتجاهه نحوها ،
و تحدد له السلوك المقبول و غير المقبول و الصواب و الخطأ و تتصف بدرجه من الثبات النسبي .
و للقيم ثلاث مكونات رئيسية و هي :
1-      المكون المعرفي و معياره الاختيار أي انتقاء القيمة،
2-      المكون الوجداني و معياره التقدير الذي ينعكس في التعلق بالقيمة  و الاعتزاز بها،
3-      المكون السلوكي و معياره الفعل أو الممارسة و العمل.
كما أن القيم تصنف حسب المحتوى و الهدف و القوة و العمومية
و الوضوح  و الاستدامة.
و تنقسم القيم الى مجموعات ست حسب تصنيف عالم الاجتماع الألماني   " سبرانجر " : القيم الدينية  - القيم السياسية – القيم النظرية – القيم الاقتصادية
– القيم الجمالية .
و  ان القيم لها عدة وظائف منها :
1-      تزويد الفرد بالإحساس بالغرض مما يقوم به و توجهه نحو تحقيقه،
2-      تهيء الأساس للعمل الفردي و الجماعي الموحد ،
3-      تتخذ كأساس للحكم على سلوك الآخرين ،
4-      تمكن الفرد من معرفة ما يتوقعه منه الآخرين و ماهية ردود
أفعالهم،
5-      توجد لديه إحساسا بالصواب و الخطأ ( عيسى، 111، 1984).
و تعد الأسرة هي المصدر الرئيس في تكوين قيم الفرد و اتجاهاته
و عاداته الاجتماعية. فهي التي تمده بالرصيد الأول من القيم و تصبح بمثابة الضوء الذي
يرشده في سلوكه و تصرفاته.
أما القدوة فهي " نمط من السلوك يحتذى به بعد كثير
من العمليات الشعورية     و غير الشعورية ،
و يلعب في تشكيلها كل من إحساس الفرد و ضميره ، و تترك آثاراً قوية في النفس
" ( الخطيب ن 1997 ، 40) .
ويحدث خلط بين مفهوم القدوة و القدوة الحسنه في بعض
الأحيان ، فيشب الأبناء و قد كونوا في أذهانهم 
فكرة أن الأبوين هما  القدوة التي
يسعون إلى تقليدها .
فالبعض يتخذ والده قدوة له ، فيحاول أن يقلده بكل ما
تحمله شخصية الأب من مزايا و عيوب . فيخلط الابن بين قيم الأب الإيجابية و الخصائص
الشخصية للأب، كأن يكون الأب محباً للقراءة و لكنه سريع الغضب.
فالقدوة تعني الرموز الشخصية أو المثل العليا . بمعنى أن الأسوة
الشيء الذي نقتبسه و نهتدي به.
و تجدر الإشارة إلى أن القدوة ليست شخصاً دائما، فهي قد
تكون فكره دينية      أو سياسية  يحملها فرد ما و يتأثر بها فرد آخر فيتأثر بها
و يحاول تقليدها        و العيش وفقاً لمقتضياتها.
وعلى ذلك فإن القدوة ليست دائما شخصا أو نموذجاً محدداً يمكن التعرف عليه و تحديد
خصائصه .
و تنتقل من خلال
عملية التنشئة الاجتماعية قيم الوالدين إلى الأبناء باعتبارها قيم القدوة و بمرور الوقت
تأخذ شكل الإلزام و الاستمرارية و الشيئية و العمومية.
فعندما تكون أسرة مفككه -على سبيل المثال - و تتميز
بوجود مشكلات أسرية كالعنف و اضطراب العلاقات بين الأبوين ا يؤثر بدوره على
الأبناء في علاقاتهم معاً و مع الآخرين. يصبح الأبوان في هذه الحالة  قدوة سلبية و هنا يبحث الأبناء عن قدوة خارج
نطاق الأسرة الذي قد تكون هي بدورها قدوة سلبية لأنها ليست سوى بديل قد يكون
مؤقتاً.
و هذا يدعونا الى التطرق الى ما يسمى بالقدوة الناعمة ،
و هي تلك القدوة التي تتسلل إلى الفرد بهدوء و تدريجياً من خلال وسائل
الإعلام  و وسائل التواصل الاجتماعي
المختلفة ( توتير ، واتسآب ، فيسبوك الخ ... ) فهي لا تتوجه إلى فئة عمرية محددة ،
و تستمر طوال اليوم على مدار العام ، و لا تقدم القدوة بشكل مباشر ، بل تتشكل هذه
القدوة من خلال التكرار و الإيحاءات و الصور التي تتحول بمرور الوقت الى قدوة .
كالأفكار و أنماط السلوك التي بمرور الوقت تتحول الى قيم . كصورة الغرب من استهلاك
و اقتناء الجديد  ، و الذي ساهمت ثورة
الاتصال التكنولوجية في ربط العالم بسرعه فائقة مما جعل الشباب في العالم الثالث
عموماً و الوطن العربي على وجه الخصوص يقارن بين مجتمعه   و المجتمعات
المتقدمة و بخاصه في المجال السياسي و الاقتصادي . حيث اصبح الغرب قدوة في مجال الحرية و العدالة و المساواة. التي لا تتحقق في الأسرة العربية
بصوره كامله  و لا حتى في المجتمعات
العربية .
فالحرية : هي التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان و
إنتاجه سواء كانت قيوداً مادية أو قيوداً معنوية  ، فهي تشمل التخلص من العبودية لشخص  أو جماعة وحتى للذات ، كما تشمل التخلص
من الضغوط المفروضة على شخص ما لتنفيذ غرض ما و التخلص من الإجبار و الفرض .
و العدالة: تعني عدم الانحياز في محاكمة أي إنسان لأي أمر، و هي
رؤية إنسانية للمحيط الذي يعيش فيه كل فرد شرط أن ينظم هذه الرؤية قانون وضعي
يشارك في صياغتها الكل بعيداً عن التحكم.
أما المساواة : فهي
التحكم بجميع الحقوق السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية دون التمييز  بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس أو
الراي السياسي  أو المستوى الاجتماعي ، كما نص عليها الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان .
و عليه فإذا كان أحد الأبوين يتميز بشخصية تسلطية فإنه
يغرس في أبنائه قيماً سلطوية أو العكس يعزز قيم الخنوع و الاستسلام و الضعف. و إذا
كان الأب ممن يمارس العنف في الأسرة ، بأشكاله المادية و المعنوية فإنه أيضاً يغرس
هذه القيم عن طريق التقليد في ابنائه ، و يصبح للعنف قيمة لديهم يمارسونه على
إخوتهم أو اصدقائهم و زملائهم و قد ينقلونه مستقبلاً إلى  أسرهم عندما يكونون أسرة .و على الجانب الآخر
القيم الايجابية التي تتعزز مع الوقت .كالصدق ، الإيثار ، الكرامة ، الكرم ، الجد
، التكافل و الأمانة و غيرها .
فعلى سبيل المثال فإن قيمة "
الولاء " من القيم الهامة على سلم أولويات القيم . فالولاء هو الإخلاص
و الطاعة ، فهو عبارة عن قناعة ذاتية يتبناها الفرد دون أن  تفرض عليه،  فهو إخلاص و حب ينبثق من التفاعل بين الفرد و
مجتمعه ،   و هذا الإخلاص و الحب يوجههما
الفرد إلى موضوع معين مثل الذات ، الأسرة، الوطن ، مذهب سياسي أو ديني .
و هناك مجموعة من العوامل التي تشكل ولاء الفرد نحددها
على النحو التالي :
1-    أسلوب التنشئة
الاجتماعية 
2-    و جود القدوة
3-    دوافع الفرد و
حاجاته 
4-    قيم الفرد
5-    شخصية الفرد و
صحته النفسية
6-    أساليب التعليم 
7-    و سائل الاتصال
الجماهيري و التواصل الاجتماعي
8-    البيئة
الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية .
و برزت قيمة الولاء بشدة اثناء أزمة  الخليج الحالية  التي تمر بها دولة قطر .   و
يرتبط بالولاء كقيمة مفهوم الوطنية . فحب الوطن و الذود عنه لا يتحقق إلا في مناخ ديمقراطي.
و هذا بدوره يتطلب قيماً إيجابية يجب إبرازها و جعلها أهدافاً يعمل أفراد المجتمع
على تحقيقها و المحافظة عليها و تبدأ من  الوالدين في 
الأسرة .
 
 
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق