إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 8 فبراير 2012

نحو استراتيجية لتوطين العمالة في القطاعين الخاص و المختلط

جهينة سلطان سيف العيسى
خضر زكريا
محمد بومخلوف
جاسم النصر
المجلس الأعلى لشؤون الأسرة ، الدوحة -قطر
2002م
174 صفحة

شهد المجتمع القطري في العقود الثلاثة الأخيرة تطورات كبيرة و سريعة على جميع المستويات ، و بخاصة المستوى الاجتماعي الاقتصادي . إذ تطورت خطط التنمية الاجتماعية ، و اتسعت المشاريع الانتاجية و الخدمية بسرعات غير مسبوقة ، و تزايدت بوتائر كبيرة أعداد المؤسسات التابعة للقطاعات الثلاثة : الحكومي و الخاص و المختلط ، فتزايدت بالتالي ، و ربما بوتائر أعلى ، اعداد الأيدي العاملة الوافدة . و في الوقت نفسه ارتفعت أعداد خريجي التعليم ، و بخاصة خريجي التعليم العالي من الذكور و الإناث ، الذي أدى الى خلل واضح في سوق العمل .
فمن ناحية تكدس القوى العاملة القطرية في قطاع الإدارة الحكومية ، و بنسبة أقل بكثير في الشركات المملوكة للدولة ، بينما تظل نسبة العاملين القطريين في القطاعين الخاص و المختلط ضئيلة جدا ، على الرغم من التوجيهات و التشريعات الهادفة الى تشجيع توطين العمالة في القطاعيين المذكورين .
و من ناحية أخرى  ما تزال مؤسسات القطاعين الخاص و المختلط تتردد كثيرا في توظيف الخريجين و الخريجات من المواطنين ، لأسباب ترى أنها تنافسية ، لا يلبي فيها الخريج المحلي متطلباتها و معاييرها الوظيفية .
و من ناحية ثالثة مازالت مؤسسات التعليم الجامعي و مراكز التدريب تعمل ببرامج و خطط و تخصصات تقليدية ، و تخرج أفواجا موجهة غالبا نحو دوائر الإستقطاب و التشغيل الحكومية التقليدية ، بما يفوق قدرتها الإستيعابية .
إضافة الى ذلك فإن المرأة القطرية ، و على الرغم من التحسن الكبير في وضعها التعليمي ، و تعاظم أعداد خريجات التعليم العالي ،   ما تزال مساهمتها في النشاط الاقتصادي محدودة ، و ما تزال مجالات عملها محدودة جداً ، و تكاد تنصر في قطاع التربية و التعليم بشكل رئيسي ، و قطاع الصحة الى حدٍ ما .
هذا الخلل في سوق العمل قد يزداد تفاقماً بفعل المتغيرات و المستجدات السريعة و العميقة على المستويات المحلية و الإقليمية و الدولية إذ تتجه التغيرات ، أكثر فأكثر ، نحو عولمة سوق العمل ، و خصخصة رأس المال ، و سهولة إنتقال الأشخاص و الأموال و البضائع عبر العالم بلا حواجز أو عوائق ، و مشروعية التنافس ، و تقليص دور الدولة في تقديم الضمانات و الخدمات و التعويضات المجانية العامة المعهودة .
إن إستمرار الوضع بين أطراف سوق العمل ( الشركات و المؤسسات التعليمية ) على ما هو عليه ، ينذر بتزايد معدلات البطالة بين المواطنين القطريين ،و ربما بمشكلات و أزمات اجتماعية لا يمكن التنبؤ باتجاهاتها .
أمام هذا الوضع المعقد و المتغير كان لابد من البدء بدراسة علمية متأنية لسوق العمل القطري ، وآلياته الاجتماعية والاقتصادية و الثقافية ، و التركيز بوجه خاص على أسباب و عوامل استمرار ضآلة نسبة العمالة الوطنية في القطاعين الخاص و المختلط ، و معوقات توطين العمالة فيهما ، بغية إقتراح بعض الحلول التي يمكن أن تساعد على رفع معدلات التوطين ، و تحقيق التوازن المطلوب في بنية القوى العاملة في المجتمع القطري .
فقد سعت الدراسة الى توصيف المتطلبات و الشروط و المعايير الوظيفية التي تعتمدها مؤسسات القطاعين الخاص و المختلط في كوادرها العاملة ، و معرفة آراء المسؤولين الإداريين في هذه المؤسسات حول آليات توطين العمالة و معوقاتها ، و اتجاهات الخريجين الجامعيين ، بتخصصاتهم المختلفة ، نحو العمل ، و واقع التدريب و التأهيل في المؤسسات التعليمية و المؤسسات المستقبلة للعمالة ، وصولا الى صوغ بعض المقترحات المستخلصة من الدراسة للمساعدة في وضع الاستراتيجية المناسبة لتوطين العمالة في القطاعين المذكورين .
و لتحقيق هذه الأهداف قسمت الدراسة الى ثلاثة أقسام رئيسية : قسم يتناول الإطار النظري و المنهجي للدراسة و الثاني دراسة مكتبية تحلل المعلومات و المعطيات الإحصائية المتوفرة في المنشورات الإحصائية الرسمية و الدراسات السابقة التي تناولت الموضوع ، و الثالث ميداني يبحث في واقع المؤسسات المعنية و اتجاهات الإداريين فيها بشأن توطين العمالة ، و اتجاهات الخريجين الجامعيين نحو العمل من خلال عينات ممثلة للفئات المستهدفة ، و بواسطة أداتين رئيستين من أدوات البحث الاجتماعي الميداني هما : المقابلات المعمقة ( Focus Groups ) و الإستبيانات .
و على الرغم من عدم شمول الدراسة لمؤسسات القطاع الخاص الصغيرة ( الفردية و العائلية ) لأسباب تم شرحها في الفصل الأول ، فإننا نعتقد أن النتائج التي توصلت اليها تنطبق ، الى حدٍ كبير ، على جميع مؤسسات القطاعين الخاص و المختلط خاصة فيما يتعلق بمتطلبات تلك المؤسسات و عوامل تفضيل بعضها للعمالة الوافدة و معوقات توطين العمالة فيها .
هذه الدراسة كانت ثمرة عمل جماعي بكل معنى الكلمة ، فعلى الرغم من تقسيم العمل الميداني بين أعضاء الفريق :
حيث قامت أ.د جهينة سلطان العيسى بإعداد خطة الدراسة و إجراءاتها المنهجية و تحليل خصائص العينات و إستخلاص النتائج العامة للدراسة ،
و قام أ.د خضر زكريا بإعداد الإشكالية الأولية للدراسة و تساؤلاتها و فروضها المبدئية و التساؤلات المقترحة للمقابلات المعمقة ، و تحليل نتائج استبيان الإداريين و الخريجين ز صياغة خاتمة الدراسة ،
و قام > محمد بومخلوف بإعداد المدخل النظري للدراسة ، و تحليل خصائص و مؤشرات اتجاهات سوق العمل القطري استنادا الى المعطيات الإحصائية المتوفرة و الدراسات السابقة ،
و قام د. جاسم النصر بكتابة تقارير المقابلات المعمقة ، و تنظيم معظم جداول الدراسة الميدانية ،
على الرغم من التقسيم هذا المبدئي للعمل فإن الدراسة كانت نتاجا لعمل جماعي فعلي لفريق البحث مجتمعا ، حيث عقدعدداً كبيراً من الاجتماعات التي كان يناقش في كل منها جزئية من جزئيات العمل ، و يدخل التعديلات على الأعمال التي قام بها كل من أعضاء الفريق ، بحيث يمكن القول إن فصول البحث و فقراته و جداوله من نتاج فريق البحث مجتمعاً.
الفلسفة العامة للدراسة
تتمثل فلسفة هذه الدراسة أساساً في البحث عن سبل تحقيق الإحلال التدريجي للعمالة الوطنية محل العمالة الوافدة ، و منه تحقيق التنمية المستدامة القائمة على تنمية الموارد البشرية و اكتساب الخبرة العملية في ميادين العمل و ثقافة تنظيم العمل ، من خلال العمل ذاته و الإحتكاك المباشر به ، و ذلك عن طريق إيجاد الآليات الفعالة لتوطين و تشغيل القوى العاملة القطرية في القطاعات و الشركات ذات الطابع الاقتصادي الإنتاجي العامة منها و الخاصة و المختلطة .
من ثم تدخل هذه الدراسة ضمن الدراسات الاستراتيجية التطبيقية التي ترمي الى وضع تصور علمي لتوطين العمالة القطرية و تحديد الآليات اللازمة لذلك ، تصور قائم على الحقائق الواقعية لسوق العمل ، من خلال تقصي العوامل المشجعة و المعوقة لتوطين العمالة ، و الكشف عن الحلقات المفقودة التي تربط بين مخرجات المنظومة التعليمية و المنظومة الاقتصادية .تلك التي تربط بين النسق الاقتصادي و النسق التربوي في المجتمع .
ففلسفة هذه الدراسة تتمثل في البحث في سبل تنمية و استثمار الثروة البشرية المتاحة ، و إتاحة الفرصة لها في اكتساب الخبرة في المجالات المهنية المختلفة في القطاعات الاقتصادية ، و تنمية روح العمل و تنظيمه لدى الشباب القطري ، و الإستفادة مما هو متاح في ميدان العمل ، و ترشيد القوى العاملة الوطنية و الموارد البشرية و الاقتصادية عامة ، مما يعني في النهاية تنمية موارد بديلة تتمثل في العمل المنتج و القدرة على تنظيمه و إدارته .
و من الفلسفات التي تنطلق منها هذه الدراسة ضرورة الوعي بخطورة التبعية المزدوجة في الميدان الاقتصادي -الاجتماعي / التبعية التكنولوجية و التبعية في ميدان القوى العاملة ، و ما يترتب عليه من اخطار أخرى تتمثل في الخطر البشري السكاني ز الى استنزاف الثروة الاقتصادية . إضافة الى المساهمة في الكشف عن واقع سوق العمل في سبيل وضع سياسة وطنية للتشغيل بناء على حقائق علمية دقيقة و موثقة .
نتائج الدراسة
أبرز نتائج الدراسة الميدانية التي يمكن على ضوئها اقتراح استراتيجية لتوطين العمالة هي :
1-إن معظم مؤسسات القطاعين الخاص و المختلط هي من المؤسسات التي لها جذور تاريخية في المجتمع فحوالي ثلثي هذه المؤسسات مضى على تاسيسها  ما يزيد عن العشرين عاما مما إنعكس إيجابيا على توطين العمالة فيها .
2-إن الأكثرية الساحقة من عينة الخريجين قد إختارت تخصصاتها بناء على رغباتها الشخصية . و أن السبب في عدم المشاركة في دورات تدريبية هو عدم توفر الوقت الكافي .
3-إن الإداريين يعطون أهمية كبرى لتوطين العمالة من أجل استقرار اقتصاد المجتمع و نموه ، حتى ان بعض المؤسسات وضعت خطة توطين كاملة يمكن الوصول إليها خلال العشرين سنة القادمة  شاملة الذكور و الإناث .
4-تبين أن اداء القطريين في العمل لا يقل كفاءة عن أداء الآخرين .و أن أداء الموظفات القطريات أفضل من أداء الموظفين القطريين . و أن الموظف غي القطري يتميز بالخبرة و إجادة اللغة الإنجليزية ، و انخفاض الأجور و الطاعة و الإنضباط في العمل . و بالتالي فإن سياسة التوطين تضع في اعتبارها مجموعة من الشروط الضرورية لتتم هذه العملية بالصورة الملائمة .
5- تبين عدم تلاءم النظام التعليمي مع إحتياجات سوق العمل .
6- أكدت الدراسة ان أكثر التخصصات المطلوبة هي الإدارة و الاقتصاد و التخصصات الفنية و الهندسية .
7- إن من ابرز معوقات التوطين عدم حصول طالب العمل على المؤهلات المطلوبة للعمل بكفاءة في تلك المؤسسات  . و ان جاذبية العمل في القطاع الحكومي لسبب الإمتيازات التي يقدمها للموظف تجعل التوجه للعمل في القطاع الحكمي أكب من التوجه الى القطاع الخاص أو المختلط . كما أن المرأة العاملة في هذين القطاعين لا تتساوى في الإمتيازات مع الذكور .
8- ومن معوقات العمل في القطاعين الخاص و المختلط عدم الحصول على نفس إمتيازات القطاع الحكومي كالأرض و القرض و عدم وجود قانون للتأمين الإجتماعي و التقاعد و قدم تشريعات العمل وعدم ملاءمتها للظروف الراهنة .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق