إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الاثنين، 5 ديسمبر 2011

التنمية المستدامة و تمكين المرأة : التحديات و الرؤى

                                                               
             " المساواة ليست هدفا تكنوقراطيا بل هي التزام سياسي جامع "  " جيمس غوستاف سبيث " *
مدخل:
تنطلق هذه الورقة من فكرة أن الإنسان هو أساس عملية  التنمية  المستدامة و التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال عملية التغير  التي تركز على الإنسان كقائد  و محرك لها . و من الدور الذي تلعبه " التنمية المستدامة " في خلق ميكانيزمات التغير الإنساني المنشود ، و من بين هذه المكيانيزمات تعد عملية التمكين   Empowerment   . فيؤكد التراث الأدبي للتنمية أن نجاح التنمية و برامجها و سياساتها ، و ضمان استدامتها و إمكانية المجتمع على مواجهة التغيرات العالمية و التفاعل معها بايجابية ، يرتبط ارتباطا وثيقا بمشاركة العنصر البشري و حسن إعداده و طبيعة تأهيله ، و بذلك تعد المرأة كالرجل عنصرا هاما في عملية التنمية المستدامة .
  1.  ومن المحقق إن مشاركه المرأة في التنمية تواجه عدة تحديات ، منها تحديات داخلية خاصة بالمرأة ذاتها  و أخرى خارجية مرتبطة بالبناء الاجتماعي و نظمه و ثقافته . مما دعا العالم بأسره يهتم بقضية تمكين المرأة و إدماجها في التنمية المستدامة بكونها الشريك المساوي للرجل .
  2.  يتفق كثير من علماء الاجتماع على أن إشكالية المرأة و التنمية ليست ذات قطب واحد،       
  3. و لا يمكن حلها بمساواتها بالرجل، و إنما تتمثل في القضاء على جميع أشكال و صور التمييز.
  4.  كما يتفق بعض الدارسين الاجتماعيين  على أن هناك اتجاهات ثلاثة تتناول قضايا إدماج المرأة في التنمية المستدامة منذ نهاية القرن العشرين . الاتجاه الأول هو ما يسمى بنموذج التنمية البشرية المستدامة Human Development  Sustained الذي يعني بتمكين جميع إفراد المجتمع  و تنمية قدراتهم إلى أقصى حد ممكن من خلال التعليم و التدريب و خلق فرص العمل مناسبة  .
و يركز  الاتجاه الثاني على ظاهرة العولمة Globalization Phenomenon باعتبارها عملية كلية تشكل أبعادا اقتصادية ، و تكنولوجية ، و اجتماعية و ثقافية متداخلة  و مترابطة(1).  فتتضمن العولمة في هذا الإطار بعدين أولهما فني تقني و ثانيهما أيديولوجي فكري .ومع أن ظاهرة العولمة هي ظاهرة إنسانية إلا أن ذلك لا ينفي ارتباطها بثقافة المركز و هو النظام الرأسمالي العالمي .
و يرتبط الاتجاه الثالث بتمكين المرأة الذي ظهر على يد عدد من مفكري دول العالم الثالث من النساء المنتميات إلي مجموعة DAWN  (Development Alternatives with  Woman for New Era ) التي تعني تنمية بمشاركة المرأة من اجل عصر جديد . و يؤكد أصحاب هذا الاتجاه أن الإبعاد المجتمعية المتمثلة في العوامل الاجتماعية و الثقافية  و الاقتصادية و السياسية التي تعمل على قهر و استغلال المرأة ترتبط بعوامل محلية  و إقليمية و دولية تعمل على تكريس النظرة الدونية للمرأة و عدم قدرتها على المشاركة الفاعلة في التنمية .
فظهر اتجاه عالمي لتمكين المرأة من حقوقها الاجتماعية و السياسية ، و من نصيبها العادل من ثروات  المجتمع المادية و اللامادية . وترتب على ذلك أن تصبح أجندة المرأة واحدة من أهم حركات النظام العالمي، و ليس فقط على المستوى المجتمعي المحلي فحسب.و تضمن مفهوم التنمية اضافة إلى المعايير الكمية الاقتصادية معايير اجتماعية قيمية ،كقياس مستوى الحريات العامة ، و درجة المشاركة السياسية المتاحة و الوصول إلى مراكز اتخاذ القرار .
  فتاريخيا قد بدأ الاهتمام بقضايا المرأة بالمؤتمر العالمي الدولي للمرأة الذي عقد في مكسيكو سيتي في المكسيك عام 1975م و هدفه الرئيس إدماج المرأة في التنمية، تلاه مؤتمر كوبنهاجن عام 1980، ثم مؤتمر نيروبي عام 1985م حيث صدرت عن هذه المؤتمرات عدة توصيات و قرارات هامة تؤكد على ضرورة إسهام المرأة في عملية التنمية المستدامة (2) . و في إطار التطلع إلى المساواة و العدالة على المستوى الدولي، أقرت اتفاقية " القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة " في ديسمبر 1979 و التي دخلت حيز التنفيذ في سبتمبر 1981م. و في هذا السياق سبق ذلك " العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية "  و " العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية " عام 1966، و سبق ذلك صدور " اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة " التي أقرت في 20 ديسمبر 1952 و دخلت حيز التنفيذ في 7 يوليو 1954 م.
و قد  شهد عقد التسعينيات من القرن المنصرم متابعه الجهود التي تحث الشعوب و الحكومات على ممارسة حقوق الإنسان ، و أصبحت حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من هذه الحقوق ، فعقد المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان في فيينا  عام 1993 ، تلته قمة التنمية الاجتماعية في كوبنهاجن عام 1994 ، و قد سبقها الإعلان العالمي للحق في التنمية عام 1989 م ثم المؤتمر الدولي للسكان و التنمية الذي عقد في القاهرة عام 1994 م   و بعده مؤتمر لاهاي عام 1999م .
و يعد المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة الذي انعقد في بكين في الفترة   من 4-11 سبتمبر عام 1995 من أهم المؤتمرات التي عقدت من اجل النهوض بالمرأة  ، حيث اتخذت عدة قرارات هامة في هذا الشأن ، و اعتمد القرار رقم ( 1 ) بشأن إعلان و منهاج عمل بيجين لعام 1995 م .
و تكون الإعلان من ( 38 ) بندا تتناول جميع القضايا و الموضوعات التي طرحت على المؤتمر بهدف تحقيق المساواة و التنمية و السلام لجميع النساء في كل مكان و لصالح البشرية جمعاء.
و قد نص البند التاسع عشر من الإعلان " أنه من الضروري أن يتم بمشاركة كاملة من المرأة تصميم و تنفيذ و رصد سياسات و برامج بما في ذلك سياسات و برامج إنمائية ، تراعي فيها اعتبارات الجنسين و تتسم بالفعالية و الكفاءة و التعزيز المتبادل فيما بينها على جميع المستويات يكون من شأنها أن تعزز و تشجع على تمكين المرأة و النهوض بها "  ( 3 ).
و تعهدت الحكومات بموجب البند " 38 " من الإعلان باعتماد منهاج العمل و الالتزام بتنفيذه بما يكفل مراعاة الجنسين في جميع سياساتها و برامجها ، و تحث الأمم المتحدة و المؤسسات المالية و الإقليمية و الدولية و سائر المؤسسات ذات الصلة بالنساء و الرجال كافة ، و المنظمات غير الحكومية التعاون مع الحكومات على الالتزام الكامل بمنهاج العمل  و المساهمة في تنفيذه . كما أكد الإعلان كذلك على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وإزالة العقبات التي تعترض تحقيق المساواة بين الجنسين و النهوض بالمرأة و تمكينها. مع ضمان وصول المرأة إلى الموارد الاقتصادية أسوة بالرجل بما في ذلك الأرض و لائتمان و العلم و التكنولوجيا و التدريب المهني و المعلومات و الاتصالات والأسواق.
فوضع إعلان بيجين لعام 1995م الخطوط الرئيسة للنهوض بالمرأة و تمكينها و ضمان مشاركتها في صنع القرار من أجل النهوض بالمجتمع . كما إن منهاج عمل بيجين تمشيا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أصبح تمكين المرأة من أداء دورها و نيلها استقلالها الذاتي و تحسين مركزها الاجتماع و الاقتصادي و السياسي كمطلب ضروري  لتحقيق التنمية المستدامة.
و لاشك إن مشاركة المرأة  الرجل في صنع القرار يعكس طبيعة البناء الاجتماعي المتوازن و يعزز مبادئ المساواة و العدالة ، لأن مشاركة المرأة في صنع القرار مشاركة فاعلة ايجابية لابد وان يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة و المساواة و السلام .
 كما يرتبط موضوع المرأة و التنمية بأبعاد مختلفة منها ما هو كمي و منها ما هو كيفي و آخر مؤسسي. فتتأثر المرأة بكل ما يقدم إليها من خدمات اجتماعية و نوعيتها . فسعت  برامج العمل الدولية إلى وضع استراتيجيات عمل متعددة بدأت بهدف إزالة المعوقات التي تحول دون تحقيق العدالة و المساواة في مجالات التشريع و التعليم و العمل و الصحة .ثم تطورت تلك الاستراتيجيات  عند وضع الأهداف التنموية للألفية الثالثة  و هي :
 الهدف الأول:  القضاء على الفقر المدقع و الجوع
 الهدف الثاني: تحقيق تعميم التعليم الابتدائي
الهدف الثالث: تعزيز المساواة بين الجنسين و تمكين المرأة
الهدف الرابع  : تخفيض معدل وفيات الأطفال
الهدف الخامس: تحسين صحة الأم
الهدف السادس : مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية / الايدز و الملاريا و غيرها من الأمراض
الهدف السابع: كفالة الاستدامة البيئية
الهدف الثامن : إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية
  فالأهداف التنموية للألفية الخاصة  بالمرأة تظهر في  الهدف الثالث الذي يدعو إلى "  تدعيم مبادئ المساواة في النوع و تمكين المرأة  "  ، و الهدف السابع الذي يؤكد على "  إدماج مبادئ التنمية المستدامة في السياسات و البرامج " ، و الهدف الثامن الذي  " يسعى إلى تطوير منظومة عالمية لتحقيق مبدأ الشراكة العالمية  في التنمية " (4 )  
مفهوم التنمية الإنسانية :
فقد اكتسب مفهوم التنمية الإنسانية اهتماما و انتشارا منذ التسعينيات عندما تبنى برنامج الأمم الإنمائي المفهوم بمعنى محدد، يركز على دور الأفراد في التنمية. باعتبار أن البشر هم الثروة الحقيقية للأمم و أن التنمية الإنسانية هي " عملية توسيع خيارات الأفراد و ترفض التمييز ضدهم، و تشمل جوانب مادية و معنوية تقوم على المشاركة الفاعلة في المجتمع ". و تسعى إلى الارتقاء بنوعية حياة الأفراد و من ثم فهي ترتكز على مبادئ ثلاث أساسية:
أولا : الإيمان الراسخ بقدرة الإنسان و المجتمع على صنع و إنتاج التنمية التي تعتبر البيئة الحقيقية لبناء النهضة  .
ثانيا:  يحتاج إنتاج التنمية و بناء النهضة إلى إنتاج مجموعة من المتطلبات المتمثلة في المعارف و العلوم           و المهارات و التقنيات، و الإدارة الحديثة و المؤسسات الفاعلة، و كذلك إلى القوانين و التشريعات الملائمة بالإضافة إلى دوافع وقيم الإنجاز.
ثالثا: أن الإصلاح و التطوير آليات أساسية لضمان إنتاج متطلبات التنمية الفردية و المجتمعية، الذاتية                     و الموضوعية، و بقاء التنمية و استدامتها.
فالتنمية تعني توفير الآليات و الوسائل و الأساليب لكل فرد للحصول على فرص متساوية و متكافئة لإرساء مجتمع أفضل تحقق التوزيع العادل للموارد و الثروات بين مختلف فئات المجتمع و تشتمل على عناصر أربعة هي:
-       الإنتاجية: و تعني توفير الظروف المناسبة لرفع إنتاجية أفراد المجتمع.
-       العدالة الاجتماعية: بمعنى تساوي الأفراد في الحصول على نفس الفرص.
-       الاستدامة :ضمان عدم استنزاف الأجيال الحالية للموارد على حساب حق الأجيال القادمة  .
-       التمكين: توفير الوسائل المختلفة الثقافية و المادية و التعليمية و بناء القدرات ليتمكن أفراد المجتمع من المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرار و التحكم في الموارد المتاحة في المجتمع.
و على هذا النحو فان تحقيق التنمية لن يتحقق إلا من خلال عملية تغيير شاملة في ظل معطيات فردية               و مجتمعية (5 ).  ومن ثم  تصبح عملية تمكين المرأة عملية أساسية في التنمية الإنسانية .
حول مفهوم التمكين :
يعد مفهوم تمكين المرأة  مفهوما حديثا نسبيا ، و لا يوجد تعريف محدد له أو متفق عليه ، إلا أنه بالإمكان تحديد العناصر المكونة لمحتواه على النحو التالي :
·        تعزيز إحساس المرأة بذاتها و قيمتها ،
·        حق المرأة في الوصول إلى و الحصول على الفرص و الموارد و الخدمات بما في ذلك التعليم             و العلاج و العمل،
·        حق المرأة في التحكم بحياتها و توجيهها اعتمادا على إمكاناتها و قدراتها الذاتية داخل المنزل               و خارجه ،
·        توفير البدائل و الخيارات للمرأة و ضمان حقها في اتخاذ القرارات بشأنها بحرية و استقلالية تامة ،
·   دعم قدرات المرأة لتكون عاملا أساسيا مؤثرا في توجيه التغير الاجتماعي من اجل إيجاد نظام اجتماعي     و اقتصادي عادل على المستويين الوطني و الدولي.
كما يعرف البعض التمكين بأنه " استخدام القدرات البشرية في الإنتاج، أو المساهمة الفاعلة في النشطة الثقافية     و الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية ". كما يعرف بأنه " المقدرة المستمرة على اتخاذ القرار المبني على المعرفة من بين مجموعة خيارات متاحة و ينتج عنه اتخاذ إستراتيجية تؤدي إلى تحسين الحالة المعيشية للمرأة و أسرتها و مجتمعها  " (6  )فيصبح التمكين في المجال التعليمي الإعداد المعرفي الفعال للمرأة بما يتلاءم مع التطورات العالمية  في مجال  الثورة المعلوماتية ، و التأهيل و التدريب المتكافئ لاستثمار العنصر البشري النسائي بفعالية في مختلف قطاعات الإنتاج ، مع القضاء على الأمية القرائية و القدراتية .أما التمكين  في المجال الصحي فيتم من خلال الحفاظ على صحة المرأة و رفع مستوى الثقافة الصحية بين النساء بصفة خاصة ، في حين  أن التمكين في المجال التشريعي يعني توعية و إلمام المرأة بالقوانين و التشريعات التي تمسها مباشرة كقوانين الأسرة و العمل و دعم حقوقها كما هي مقرة في الشرائع السماوية و الدساتير الوطنية . و كذلك الأمر بالنسبة للتمكين في المجال السياسي المتمثل في دعم مكانة المرأة في مراكز صنع القرار و تفعيل مشاركتها في المجالات القيادية المختلفة . و يعني التمكين في المجال الاقتصادي تفعيل المشاركة في المجالات المهنية و الإنتاجية و تشجيع و اتاحة الفرص الاستثمارية لها ، مع توعيتها بأهمية ترشيد الاستهلاك و تعزيز ثقافة الادخار مع رفع مساهمتها في قوة العمل و توطين العمالة . أما في المجال الاجتماعي فان التمكين يتمثل في دعم الاستقرار الأسري و حماية الأسرة و تأكيد دور المرأة في عملية التنشئة الاجتماعية مع تقوية المشاركة الاجتماعية في القطاع غير الحكومي و مختلف مؤسسات المجتمع المدني.
 فإذن جميع تعريفات التمكين تشترك في أن عملية التمكين تعني الاعتماد على النفس والوعي و القدرة على اتخاذ القرارات.
و يتبين للدارس أن الأمم المتحدة خلال عقد تنمية المرأة 76-85 19م و ضعت برامج متعددة للنهوض بالمرأة من خلال عملية التمكين. فعندما نتناول التمكين فأننا نعني أن" القوة Power " هي النقطة المحورية في هذه العملية. فبناء القوة يعني أن تمكين المرأة هي العامل الأساسي في إيجاد و استمرار التغير و التنمية في المجتمع. و على هذا الأساس فان بناء القوة يتجاوز المفهوم التقليدي المرتبط بوسائل الإنتاج ليصل إلى السيطرة على المصادر الفكرية كالمعرفة و المعلومات و القدرة على طرح و استخدام الأفكار الجديدة أي بناء القدرات. و على ذلك فالتمكين ما هو إلا تلك العملية التي يتم فيها التغير بواسطة ثلاثة عناصر مادية و بشرية و فكرية. لأنها العملية التي تتحدى الأفكار " الايديولوجيا "  و الممارسات  و الاتجاهات و المعتقدات التي من خلالها يظهر التمييز بين إفراد المجتمع حسب النوع الاجتماعي . أي يصاحب هذه العملية تغيير في النسق الفكري أو الأيديولوجي و في مصادر النظم و الأنساق. لأن التمكين ليس عملية خارجية أو ظاهرية إنما هي عملية جوهرية أصيلة. فعلى سبيل المثال لا يعني التمكين في مجال التعليم مجرد الحصول على الشهادات و لكن يعني  كيفية الاستفادة من المعرفة في جوانب الحياة المختلفة الأسرية، العملية، الصحية الخ... .
فجوهر عملية التمكين هو الرغبة الأكيدة في التغيير  ، من خلال استعداد النساء لتقبل التغيير من جانب و توفير أسس التغير و معطياته في المجتمع . و على ذلك لابد أن تتوافق آليات عمل مؤسسات المجتمع مع عملية التمكين. و يمكن أن يتحقق ذلك من خلال آليتين:
 أولا  :الشراكة Participation  : و هو المفهوم الذي يعبر عن قيام كل الأطراف أو الجهات ذات العلاقة معا في عمل ما منذ بدايته حتى الانتهاء منه ، بدء بتحديد المشكلة ، ثم التخطيط و المتابعة و أخيرا التقييم أو " التقويم " E valuation     (7 ) و هو احد المؤشرات اللازمة لتمكين المرأة. فقد أبعدت أو أقصيت المرأة عن هيئات اتخاذ القرار و جهات وضع السياسيات لعدة عقود، و اعتبر ذلك أحد الأسباب التي زادت الفجوة بين الرجال و النساء في المجتمع. فظلت المرأة و قضاياها محصورة فيما أطلق عليه " بالخاص: و اعتبر " العام " هو من اختصاص الرجل. و اثر ذلك بدوره و انعكس على ادوار كل منهما في المجتمع ، فأصبح المنزل و شئونه و رعاية الأطفال و كبار السن و المرضى هو من اختصاص المرأة. في حين أن النشاط السياسي و الاقتصادي و الفكري من اختصاص الرجل . و بدوره اثر على المكانة الوظيفية للمرأة فهناك أعمال إنتاجية فكرية / اقتصادية / سياسية / دفاعية للذكور، ووظائف و مهن غير إنتاجية للإناث. و الذي أثر بدوره على التنمية حيث لم تؤخذ احتياجات المرأة  بالاعتبار عند وضع خطط التنمية من جهة ، كما لم  يستفد من خبرات و إمكانات و قدرات المرأة في التخطيط للتنمية من جهة ثانية .
 أما الآلية الثانية فهي تقاسم أو تبادل الخبرات Sharing  : و تعد هذه العملية لازمة لعملية التمكين ، لأنها ترتبط بالتوعية و التدريب و الاعتماد على الذات اضافة إلى بناء القدرات . فالفجوة بين النساء و الرجال في بعض المهارات القيادية و الإدارية ترجع إلى إبعاد المرأة عن المهام المرتبطة باتخاذ القرار. و بالتالي لم تكتسب الخبرات و المهارات اللازمة للتنمية.
التحديات التي تواجه تمكين المرأة :
  لقد أحرزت مجتمعات العالم الثالث تقدما في العديد من المجالات المتعلقة بالأهداف الإنمائية للألفية. غير أن هذا التقدم يختلف من منطقه إلى منطقة و من مجتمع إلى آخر و من هدف إلى هدف.كما  أن بعضها  تحد مجتمعي و البعض الآخر مرتبط بالتنمية الإنسانية ، و ثالث مرتبط بالعولمة . فمن غير المتوقع أن تنجح جميع مجتمعات العالم الثالث في القضاء على الجوع و الفقر، خاصة في أقل البلدان نموا سواء في آسيا أو أفريقيا و في أمريكا اللاتينية، إذا لم يتم تنسيق الجهود و زيادة الموارد. ففي المجتمعات العربية  عام 2002 لم يكن ما  يقارب 20 في المائة من الأطفال في سن الذهاب إلى  المدرسة الابتدائية ملتحقين بالمدارس ، و لم يكن باستطاعة نحو 44 مليونا من النساء البالغات اللاتي تجاوزن سن الخامسة عشر أن يقرأن و يكتبن .مع تحسن الالتحاق المدرسي على جميع مستويات التعليم ، فلا تزال المستويات المطلقة في كثير من البلدان منخفضة بالنسبة للبنين و البنات و لم تترجم المكاسب في مجال التعليم إلى تمكين اقتصادي و سياسي للمرأة في المنطقة ، إذ تعد مشاركتها الاقتصادية و السياسية من أدنى المستويات في العالم . ففي لبنان على سبيل المثال فقد ضاقت الفروق بين الذكور و الإناث تباعا في كل مراحل التعليم ، إلا أن هناك فروقا بدأت تبرز في أنواع التعليم  الرسمي المجاني و الخاص و غير المجاني و ذلك عائد بالدرجة الأولى إلى عدم القدرة الاقتصادية للأسر و إلى تمييز في الفرص يمنحه الأهل للذكور في ظل ثقافة ذكورية لا تزال تسيطر على الثقافة العامة في لبنان فبلغت  نسبة الإناث في التعليم الرسمي المجاني 8 , 52 %  و الذكور 2 ,47 %  و في التعليم الخاص غير المجاني بلغت نسبة الإناث 1, 48 % و الذكور  9, 51 %  ( 8  ) .
اضافة إلى  ذلك  فان مشاركة النساء السياسية متدنية في معظم  أنحاء العالم فيبلغ معدل النساء في برلمانات بلدان الشمال 1 ,40 % في حين أنها تبلع في دول آسيا 1 , 15 %      
و في بلدان افريقية  9 ,14 % لتنخفض إلى 7 ,6 % في البلدان العربية  ( 9 )  مما يترتب عليه إقصاء النساء عن المشاركة في ادارة شؤون المجتمع . فبدون اشتراك المرأة اشتراكا نشطا و إدخال منظورها في كافة مستويات صنع القرار، لا يمكن تحقيق الهداف المتمثلة في المساواة و التنمية و السلم.  
كما تواجه مجتمعات العالم الثالث الأقل نموا أكبر عدد من التحديات بالنسبة للأهداف الثمانية بأجمعها ، خاصة من حيث التمويل و الخدمات الأساسية و البنى التحتية  التي تؤثر على عملية تمكين المرأة .
و رغم الفروق في التقدم نحو بلوغ الأهداف ، إلاأن مجتمعات العالم الثالث تواجه مجموعة مشتركة من التحديات تنضوي ضمن العناصر الرئيسة لإعلان الألفية و تنحصر في الجوانب التالية :
1-  عدم تحقيق أهداف التنمية و القضاء على الفقر الذي يعني سوسيولوجيا الحد من التفاوت  الاجتماعي         و الاقتصادي، فيشكل الفقر و تدهور أوضاع السكن و عدم كفاية الخدمات الصحية ونظم الحماية الاجتماعية عقبات امام التمكين و التنمية تباعا .كما يظهر ذلك في ارتفاع معدلات البطالة و الفجوة بين الجنسين. فالمرأة أكثر عرضة للبطالة من الرجل، فانعدام المساواة بين الجنسين تبدو بطرق متعددة كالفجوة في الأجور و العزل المهني و غيرها .كما سجلت مجتمعات العالم الثالث أدنى معدلات نصيب  الفرد من الناتج القومي ، فتواجه هذه المجتمعات تحديات اقتصادية لتحقيق الأهداف الألفية منها ما يرتبط بتحسين الإنتاجية و تنويع الاقتصاد و تشجيع استخدام العلم و التكنولوجيا فيهما. 
2-  عدم احترام حقوق الإنسان وغياب  الديمقراطية و الحكم الصالح و هو التحدي السياسي من منظور سوسيولوجي ، فتعاني مجتمعات العالم الثالث من ضعف المؤسسات و العمليات الديمقراطية و أيضا من انخفاض مستوى المشاركة السياسية . فمعظم المؤسسات العامة شديدة المركزية مما يحد قدرتها على تلبية احتياجات أفراد المجتمع، كما تعاني من تداخل بين السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية، و تعطيل القوانين التي تضمن للفرد حقه في المعرفة و في حرية الفكر و التعبير و الرأي.وغياب سياسات رشيدة يضمن تأصيل القيم و الأطر المؤسسية الداعمة للمجتمع المعاصر اضافه إلى  ضعف الصفوة السياسية على اختلاف مصادر شرعيتها أو أيديولوجياتها و موقعها من السلطة : صاحبة لها أو معارضة ، فغالبا ما تكون محافظة إلى درجة الجمود بغض النظر عن خطابها المعلن الذي يدعو إلى التغيير و التطويروالإصلاح ،
3- و من بين التحديات التي تواجه عملية تمكين المرأة بصفة  خاصة غياب النساء عن العمل النقابي الذي أضاع حقوقهن الخاصة و العامة .
4-  عدم الاستقرار و انعدام الأمن مع ارتفاع تكاليف الحروب و النزاعات، من حيث فقدان الأرواح و النزوح و تعطيل التنمية، لا تزال باهظة. و يبدو ذلك بالنسبة للمجتمعات العربية في العراق و فلسطين، و أخرى منكوبة بالنزاعات الداخلية لعقود كالسودان و الجزائر و الصومال و الصراع الهندي الباكستاني و بين الكوريتين و في سيريلانكا و غيرها . فهذه الحروب و النزاعات دمرت الموارد و الأبنية الاجتماعية وحولت الميزانيات إلى إنفاق عسكري بدلا من إنفاق على التنمية و ترتب على ذلك إضعاف عملية تمكين المرأة.
الرؤى المستقبلية وآليات تمكين المرأة :
  ينطلق من التحليل السوسيولوجي لمفهوم التمكين من البحث في مساهمتها في التنمية الإنسانية المستدامة  وذلك من خلال :
1- تعزيز المساواة بين الجنسين  و القضاء على التمييز القائم على النوع الاجتماعي في أسواق العمل في المجتمعات النامية ضرورة لدعم التنمية.
2- وضع و تنفيذ سياسات ترمي إلى القضاء على الفجوة بين الجنسين في مجال الإلمام بالقراءة و الكتابة و التعليم و التدريب و الصحة  و الأمية الرقمية جميعها أمور أساسية تمكن المرأة من تطوير مهاراتها التي تحتاجها إلى الدخول إلى أسواق العمل بصوره كاملة.
3- إنشاء مؤسسات أو مراكز أو هيئات لدعم مشاركة المرأة في الشأن العام أمر ضروري لتمكينها.
4- تفعيل مشاركة المرأة في العمل النقابي من خلال التثقيف و التوعية و في سن التشريعات و القوانين و تطبيقها مع ترسيخ و إتباع التقاليد الديمقراطية في الهيئات النقابية.
5- إدماج منظور المرأة و الرجل في جميع الهيئات الرسمية بشكل يكون آليات وطنية مؤهلة تؤثر على السياسات الحكومية في شأن المرأة .
6-إقامة شراكات إقليمية عالمية  و إيجاد تكامل  إقليمي و عالمي و يتم ذلك من خلال شراكات و تحالفات عالمية تعتمد على المساءلة و المسؤولية المتبادلة ، تقوم من خلالها البلدان الغنية بتخفيف عبء ديون الدول الفقيرة و عقد اتفاقات تجارية عادلة ، و دعم جهود المجتمعات النامية لاعتماد استراتيجيات إنمائية ملائمة ، و تعزيز العلاقات مع  مجتمعات الجنوب مما يؤدي إلي تمكين المرأة من خلال رفع مستواها التعليمي و الصحي و الاقتصادي .  
7- الإصلاح و تحقيق الديمقراطية على مستوى المجتمع باعتبار أن الديمقراطية و الشراكة المجتمعية دعامة أساسية للتنمية الإنسانية .و دعم المبادرات الهادفة إلى الإصلاح السياسي .
8- إصلاح التشريعات و إجراء تغييرات في قوانين الأحوال الشخصية موائمة لروح العصر .
9- دعم المبادرات الهادفة إلى تعزيز القدرات للتخطيط حول مشاركة النساء على مختلف الصعد و بالذات في مجال التكنولوجيا .
10- دعم المنظمات و الشبكات العاملة في مجال المرأة لدراسة الاحتياجات و العمل على التأثير على صانعي القرارات و حشد الموارد.
11- التحالف أي الإقرار بالغير و احترام استقلاليته و عدم احتوائه كآلية لتعظيم المصالح المشتركة.
12- وضع سياسات اجتماعية اقتصادية تحقق العدالة الاجتماعية و تؤسس من خلال شراكة بين  القطاع العام و المجتمع المدني و يكون للقطاع الخاص دور اكبر من حيث المسؤولية الاجتماعية ( 10 ).
13-  عقد شراكة  مع المجتمع المدني و تفعيل دوره في عملية التنمية الإنسانية . و تشجيع إنشاء مؤسسات عامة و فاعلة قادرة على مواجهة تحديات القرن الحادي و العشرين .  
 وهذه الآليات تتطلب بدورها خطط عمل Action Plans يشترط فيها:
أ – أهداف يمكن قياسها مرحليا،
ب- تحديد الموارد و الالتزام بتوفيرها
ج- مسؤوليات لتنفيذ جوانب خطط العمل المختلفة،
د- وضع أسس و ميكانيزمات تضمن الرقابة الدقيقة و التقويم المستمر لسياسات و برامج خطط العمل
ه –  دعم منظور النوع الاجتماعي عند وضع الميزانية .
الخاتمة:
إن معدل البطالة بين النساء الذي يبلغ أربعة أضعاف معدل البطالة بين الرجال ، والأبواب المغلقة أمام بعض التخصصات ، والأسقف الزجاجية في بعض الوظائف ، و النصوص القانونية الخاصة بالإعفاء الضريبي و التأمين الاجتماعي و الائتمان التي تختلف بين النساء    و الرجال ، و القوانين التي تحد من قدرة النساء على العمل و السفر و منح جنسيتهن لأطفالهن و المشاركة السياسية ، و المشاكل القانونية و المالية و الاجتماعية التي تواجهها المطلقات و عدم قدرتهن على ممارسة حقوق الحضانة الفعلية على أطفالهن ، كلها أمثلة تدل على التمييز على أساس النوع الاجتماعي و التي تدعم عدم القدرة على تمكين النساء تتطلب بالضرورة تغييرات جذرية في الأبنية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و القانونية تدعم عملية التمكين و تحقق التنمية الإنسانية المنشودة .
______________________________________________________________
المصادر
* جيمس غوستاف سبيث ، تقرير التنمية البشرية ، 1995 .
1-علي الطراح ، تمكين المرأة الخليجية بين تحديات مجتمعية و رؤى مستقبلية ، ورقة عمل مقدمة إلى مؤتمر المجتمع المدني و تمكين المرأة العربية ، مملكة البحرين ، فبراير ،2006م.
2- منى قمر مراد، مشاركة المرأة في الحياة السياسية في لبنان، ورقة مقدمة إلى " منتدى المرأة و السياسة " 31مايو – 1 يونيو، 2001، تونس، ص 9.
3- المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة ، بيجين ، الصين ، 4-11 سبتمبر ، 1995م ،
                                                                                                                       CONF.177/20, 17 Oct., 1995   
4-جهينه سلطان العيسى و كلثم علي الغانم  ، الإنسان ركيزة التنمية ، ورقة مقدمة إلى سيمنار كلية الآداب و العلوم الاجتماعية ، جامعة قطر ، أبريل ، 2004 م .
5- United Nations , Millennium Goals,  New York  2000
6- فاطمة خفاجي ، المرأة في التجربة العربية ، بوابة المرأة
Http/www.women gateaway.com.  6/18/2006
7- زهيرة كمال ، منظومة المؤسسات الفلسطينية : توجهات نحو المستقبل ، برنامج دراسات التنمية ، جامعة بيرزيت .
8- فهمية شرف الدين ، تقرير الظل حول مدى التقدم في تطبيق اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة ، اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة ، مركز الأبحاث و التدريب حول قضايا التنمية ، بيروت ، لبنان ، 2005م .
9- النساء في السياسة: 2005، الوضع في يناير 2005، الأمم المتحدة، نيويورك.
10 –E/ESCWA  /SCU /2005 /3 /Rev. 1, 9 Dec., 2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق