إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

ظاهرة الفساد


يعتبر الفساد تاريخياً ظاهرة عالمية ، ذات جذور عميقة ، تتداخل فيها عوامل متعددة ، يصعب أحياناً كثيرة التمييز بينها حيث  إرتبط مفهوم الفساد باتساع سياسات الانفتاح الإقتصادي المرتبط بالعولمة ، كما أن درجة إنتشاره و شموليته تختلف باختلاف المجتمعات
 و لنا أن نتساءل هل يعتبر  ظاهرة إجتماعية  ؟ فالظاهرة الإجتماعية  تتميز بصفة العمومية ، وأنها خارجية و شيئية ، كما أنها تاريخية مترابطة و نسبية .و على هذا النحو نستطيع أن نعتبر الفساد ظاهرة لتوفر الخصائص السابقة فيه
و من المحقق أنه لا يوجد تعريفاً شاملاً للفساد ، و إنما يتعدد تعريفه بتعدد الإتجاهات ، الإجتماعية  ، السياسية ، الإقتصادية ، الثقافية  و لكنها جميعاً تتفق على أن الفساد بشكل عام هو انتهاك لمبدأ النزاهة
فتعرف منظمة الشفافية العالمية الفساد الإقتصادي بأنه " إستغلال السلطة من أجل المصلحة الخاصة " ، في حين يعرفه البنك الدولي بأنه " إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص " .إن  انتشار الفساد في المجتمعات العربية أحد ابرز التحديات التي تواجه الإصلاح و التنمية ، و مازالت محاولات الإصلاح و مكافحة الفساد ضعيفة ، مع ان 16 بلداً عربياُ أعلن التزامه بتنفيذ إتفاقيةالأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، حتى أن البعض أصدر مجموعة من الإجراءات القانونية التي تسعى الى الوقاية من الفساد و ممارساته و معاقبة مرتكبية . كما قامت بعض بعض الدول بانشاء هيئات و إدارات مختصة بمكافحته .و سعت أيضا الى وضع برامج و سياسات و طنية لمكافحته .
فبمقارنة الدول العربية بدول العالم على مؤشر الفساد لعام 2011 م ، نجد أن الدول العربية جاءت في مراتب متأخرة على المؤشر فأول الدول العربية على المؤشر هي دولة قطر و ترتيبها الثاني و العشرين ، تلتها دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثامنة و العشرين ، ثم البحرين في المرتبة السادسة و الأربعين و سلطنة عمان في المرتبة الخمسين ، و بعدها دولة الكويت في المرتبة الرابعة و الخمسين ، وأخيراً المملكة العربية السعودية في المرتبة السابعة و الخمسين .في الوقت الذي جاءت فيه الدول الغربية في المراتب الأولى . فحصلت نيوزيلندا على المرتبة الأولى في مقابل جمهورية الصومال الذي كان ترتيبها المائة و الثانية و الثمانين اي  أنها في  المرتبة الأخيرة  و الأكثر فساداً

أنواع الفساد
تتعدد أنواع أشكال الفساد فهو إما إقتصادي / مالي أو إداراي أو إعلامي أو سياسي ، إلا مترابطة ويؤدي بعضها الى البعض الآخر

الفساد المالي / الإقتصادي
يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول رشورة أو يمارس الإبتزاز لتسهيل عقد أو مناقصة ، أو عندما يقوم وكلاء أو وسطاء شركات أو مؤسسات بتقديم رشى للإستفادة من سياسات عامة ، أو تجاوز إجراءات عامة أيضا للتغلب على منافسين و تحقيق أرباح خارج إطار القوانين المنظمة و المتبعة . كما أنه قد يحدث عند إستغلال الوظيفة العامة في تعيين الأقارب و الأصدقاء أ ، و سرقة أموال الدولة مباشرة أو غير مباشرة . و هذا النمط هو الأكثر إنتشار في المجتمعات العربية لإرتباطه الوثيق بأنماط البناء الإجتماعي القائم على القبيلة و العائلة ، و طبيعة الأنساق الإجتماعية الهشة ، فالرشوة و الواسطة و المحسوبية و الإختلاس و التهرب الضريبي ، و الإستيلاء على ممتلكات الدولة ، و إعادة تدوير المعونات الأجنبية للجيوب الخاصة ، و قروض المجاملة التي تنمحها المصارف دون ضمانات جدية ، إضافة الى عمولات عقود البنية التحتية و صفقات السلاح و رشوة رجال الصحافة و النيابة و القضاء و الأمن لتسهيل مصالح غير مشروعة هي جزء من الفساد الإقتصادي في المجتمعات العربية .
كما   أنه يحدث من خلال الممارسات المالية المرتبطة بالوظيفة في معظم الأحيان و يتمثل في الإنحرافات المالية و مخالفة الأسس و القواعد التي تنظم الشؤون المالية و الإدارية في مؤسسات المجتمع ، و مخالفة تعليمات أجهزة الرقابة المالية كجهاز المحاسبة

الفساد الإداري
و هذا النمط يرتبط أساسا بالتجاوزات و الإنحرافات الإدارية و الوظيفية و التنظيمية ، و يبدو بعض منها في الممارسات التي يقوم بها الموظف أثناء أداء عمله المخالفة للقوانين و التشريعات و الضوابط . كعدم إحترام مواعيد العمل ، و استغلال و قت العمل و أجهزته في الأمور الشخصية ، و التراخي في أداء الواجبات ، و عدم الإلمام بسياسات و آليات العمل و تجاوزها ، إضافة الى إفشاء أسرار الجهة التي يعمل بها وإستغلال  مركزه الوظيفي في تحقيق أغراض شخصية بحتة 

الفساد الأخلاقي 
يرتبط الفساد الأخلاقي بالفساد الإداري الذي يتمثل في إستغلال الوظيفة العامة لتحقيق أغراض شخصية ، أو الجمع بين الوظيفة العامة و العمل الخاص ، و تسخير موظفو الجهة الرسمية التي يعمل بها في أعمالة الخاصة ، إضافة الى عدم توظيف مبدأ الكفاءة و المهارات المهنية و الفنية عند تعيين الموظفين و التغاضي عن أخطاء المقربين منه

الفساد الإعلامي
يتمثل في نوعين من الفساد ، الأول الإعلام المُفسد و هو الإعلام التجاري الذي يحقق الربح عن طريق نشر و ترويج الأمراض الإجتماعية و القيم الأخلاقية الفاسدة و ترسيخ ثقافة الإستهلاك و الفشل و العجز و اللامبالاة  و نشر الإشاعات و الترويج لها . و الثاني الإعلام الفاسد المتمثل في المؤسسات الإعلامية التي ينتشر الفساد بين العاملين فيها و القائمين عليهاحسب طبيعة النظام السياسي . فيستخدم الإعلام في تلميع الأنظمة و إخفاء الحقائق و تضليل الرأي العام أي يتواطئ مع النظام السياسي في إخفاء الحقائق و دعم المؤسسة السياسية .و يتفشى الفساد الإعلامي في ظل غياب  وصحافة حرة مستقلة و غياب ميثاق شرف إعلامي و قوانين تنظم الإعلام  

الفساد السياسي
يرتبط الفساد السياسي بطبيعة نظام الحكم و الممارسة السياسية و آليات العمل السياسي و غياب الديمقراطية  و الشفافية و المساءلة . و يبدو في إستغلال السلطة من قبل النخبة الحاكمة لتحقيق غايات غير مشروعة ، و لتحقيق مكاسب شخصية من خلال الموقع السياسي . و يظهر بعض منها  في الرشوة و المحسوبية و الإبتزاز و ممارسة الإحتيال و إستغلال النفوذ و تزوير الإنتخابات و نتائجها . إضافة الى توفير الغطاء الأمني لبعض الأنشطة اللاقانونية التي تمارس من قبل تجار السلاح و المخدرات و غسيل الأموال . فقد قدر حجم تهريب رؤوس الأموال في 30 دولة أفريقية في الفترة من 1970-1996 م بحوالي 187 مليار دولار و هو ما يفوق مديونيات هذه الدول مجتمعة ( نبيل صالح ، الحوار المتمدن ، العدد 2201 ، عام 2008 ) و هنا يظهر زواج الفساد الإقتصادي بالفساد السياسي في أبلغ صوره
لقد أكدت المجتمعات العربية في عدة مجالات على تفشي ظاهرة الفساد على مر العصور و خاصة في العقدين الأخيرين ، إلا أنها مازالت عاجزة عن مواجهتها . و السبب في ذلك بالدرجة الأولى عدم وجود آلية فاعلة للقضاء على اسباب الفساد . إذ أنه نتيجة حتمية لتردي الأوضاع السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية في المجتمع
و على هذا الأساس فإن محاربة الفساد  تبدأ بتحديد أسبابه و من ثم علاجها  ووضع عقوبات صارمة على مرتكبيه . و لعل القضاء النزيه و الإعلام الحر أهم أداتين لمكافحته و الحد منه    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق